دراسات إسلامية

 

 

اجتهادات النبي صلى الله عليه وسلم

قراءة تحليلية أصولية

 

بقلم : الأستاذ  محمد شكيب قاسمي(*)

 

 

 

 

ملخص البحث

     دراسةُ الجانب الاجتهادي للنبي صلى الله عليه وسلم في غاية الأهمية؛ لأنها تتناول المنهج الذي يقوم عليه اجتهاد المجتهد وإفتاء المفتي، كما تتناول الأهداف التي يرمي إلى تحقيقها والمقاصد التي يتوخاها كل مجتهد، وتوضح الوسائل التي يسلكها المجتهد في تحقيق المصالح العامة والخاصة، وتلك القضية تهم كل مسلم وكل حاكم وكل راع حريص على تنفيذ أمر الله في الواقعة المستجدة التي لم يرد بحكمها نص صريح، فالعلماء قد اختلفوا حول هذه القضية المهمة وكل فريق له دلائله استدلوا بها على ما قالوا، فحاولت هذه الدراسة أن تقدم أمام القارئ آراء العلماء وتتابع الأقوال المختلفة، وتعرِّف بما هو السديد من الآراء.

     الكلمات المفتاحية: اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم خطأ النبي صلى الله عليه وسلم تصويب الوحي له صلى الله عليه وسلم، تصرفات النبي صلى الله عليه وسلم، أفعال النبي صلى الله عليه وسلم.

مقدمة

     الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً، فيه هدىً ونور أنزله بلسان عربي مبين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين خاتم الأنبياء وإمام المرسلين سيد الخلائق والبشر، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون، ولو كره المشركون، وهو الذي جاء بأحسن تشريع ليهتدي به الناس.

     أما بعد!

     فإن دراسة الجانب الاجتهادي في السنة المُشَرَّفَةِ في غاية الأهمية؛ لأنها تتناول المنهج الذي يقوم عليه اجتهاد المجتهد وإفتاء المفتي، كما تتناول الأهداف التي يرمي إلى تحقيقها والمقاصد التي يتوخاها كل مجتهد، وتوضح الوسائل التي يسلكها المجتهد في تحقيق المصالح العامة والخاصة، وهي فضلاً عن هذا تحدد المجالات التي يخوضها المجتهد. وبالاختصار أنها تبين الهيكل الأساسي والخطة الرئيسة والإطار العام لقضية الاجتهاد الشرعي، تلك القضية التي تهم كل مسلم وكل حاكم وكل راع حريص على تنفيذ أمر الله في الواقعة المستجدة التي لم يرد بحكمها نص صريح.

     وتأتي أهمية بحث اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم في كونه يدرس نصوصاً صريحة من كتاب الله وسنة رسوله، مما يمثل تكامل التشريع الإسلامي وتكاتف السنة مع القرآن وتأييد القرآن للسنة، فهما شرع واحد لأمة الإسلام، كل هذا يؤكد أهمية بحث اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم. وتكمن مشكلة البحث في أن مثل هذا الموضوع بقي خامل الذكر من ناحية حكمة اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم، وحكمة خطأ النبي صلى الله عليه وسلم في اجتهاداته؟ سوف أحاول أن أوضح أقوال السلف في هذه المسألة المهمة، وأبذل الجهد في حلها حسب المستطاع.

حقيقة الاجتهاد

     الاجتهاد في اللغة: مشتق من مادة: (ج هـ د) بمعنى: بذل الجهد (بضم الجيم) وهو الطاقة أو تحمل الجهد (بفتح الجيم) وهو المشقة.

     قال الزبيدي: الجهد بالفتح والضم، الطاقة والوسع، وقد اختلف الأثيري في الجهد بالفتح فقال هو بالفتح المشقة، وقيل المبالغة، والغاية. وبالضم: الوسع والطاقة.

     وجاء في لسان العرب: «الاجتهاد والتجاهد: بذل الوسع والمجهود، وفي حديث معاذ: أجتهد برأيي، فالاجتهاد بذل الوسع في طلب الأَمر، وهو افتعال من الجهد، الطاقة»(1).

     والذي يستنتج من هذه التعاريف اللغوية، أن الاجتهاد يستعمل بمعنى: الوسع، والطاقة، ويستعمل في بلوغ الغاية في الطلب والسعي، وفي المشقة والمبالغة.

     وأما الاجتهاد في اصطلاح الأصوليين، فقد عبّروا عنه بعبارات متفاوتة، لعل أنسبها وأقربها ما قاله الإمام الشوكاني في كتابه «إرشاد الفحول» في تعريفه بقوله: «بذل الوسع في نيل حكم شرعي عملي بطريق الاستنباط»(2). وقال أيضاً: «وقد زاد بعض الأصوليين في هذا الحد لفظ «الفقيه» فقال: بذل الفقيه الوسع.. الخ فقال: ولابد من ذلك، فإن بذل غير الفقيه وسعه لا يسمى اجتهاداً اصطلاحاً»(3).

     ولم يكتف بعض الأصوليين بكلمة «بذل الوسع» وجعل بدلها كلمة «استفراغ الوسع» فقال الإمام الآمدي في تعريفه: «هو استفراغ الوسع في طلب الظن بشيء من الأحكام الشرعية على وجه يحس من النفس العجز عن المزيد عليه» فجعل الإحساس بالعجز عن المزيد جزءًا من الحد، وأما الإمام الغزالي فجعل ذلك جزءًا من تعريف «الاجتهاد التام».

     وقال الدهلوي: «هو استفراغ الجهد في إدراك الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية الراجعة كلياتها إلى أربعة أقسام: الكتاب والسنة والإجماع والقياس»(4).

أنواع تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم(5):

     قبل أن ندخل في بيان أقوال العلماء حول هذه المسألة ونأتي بآرائهم أرى مناسباً أن نذكر أنواع التصرفات النبوية، ونتوقف للتعرف على أنواع تلك التصرفات، وأحسن ما ذكرها الأستاذ سعدالدين العثماني في كتابه «تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم بالإمامة» فأحاول أن ألخص ما قال الشيخ حفظه الله.

     يمكن أن نقسم التصرفات النبوية إلى قسمين رئيسين:

     الأول: تصرفات تشريعية: وهي ماصدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما هو للاتباع والاقتداء. ولها نوعان:

     - التصرفات بالتشريع العام: وهي تتوجه إلى جميع الأمة إلى يوم القيامة. وهي إما تصرفات بالتبليغ(6)، أو تصرفات بالفتيا(7).

     - التصرفات بالتشريع الخاص: وهي مرتبطة بزمان أو مكان أو أحوال أو أفراد معينين، ولا تتوجه إلى الأمة كافة، سماها بعض العلماء التصرفات الجزئية أو الخطاب الجزئي. ويندرج تحتها التصرفات بالقضاء(8)، والتصرفات بالإمامة(9)، والتصرفات الخاصة(10).

     الثاني: تصرفات غير تشريعية: وهي تصرفات لا يقصد بها الاقتداء والاتباع، لا من عموم الأمة، ولا من خصوصهم، ولها أنواع عديدة: التصرفات الجبلية(11)، والتصرفات العادية(12)، والتصرفات الدنيوية(13)، والتصرفات الإرشادية(14)، والتصرفات الخاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم(15).

     تبين من هذه الخلاصة أن هناك تصرفات للنبي صلى الله عليه وسلم لا يتعلق بها تشريع، ولكن اجتهاداته صلى الله عليه وسلم ليست منها، وإنما يتعلق بها تشرع عام أو خاص.

اقوال من يقول بنفيه:

     اتفق الفقهاء والأصوليون على أنه يجوز عقلاً تعبدهم بالاجتهاد كغيرهم من المجتهدين، حكى هذا الإجماعَ ابن فَوْرَك(16)، والأستاذ أبو منصور، وأجمعوا أيضاً على أنه يجوز لهم الاجتهاد فيما يتعلق بمصالح الدنيا، وتدبير الحروب، ونحوها، حكى هذا الإجماع سليم الرازي، وابن حزم(17). وأما اجتهادهم الذي يتعلق بالأحكام الشرعية والأمور الدينية فهي محل الخلاف:

     فمال البعض إلى أنه يجوز لهم لقدرتهم على النص بنُزول الوحي، فقال الله تبارك وتعالى: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوْحَىٰ﴾ (النجم:3-4).

     وقال القاضي في التقريب: «كل من نفي القياس أحال تعبده صلى الله عليه وسلم به»، نقله الزركشي(18)، ثم قال: وهو ظاهر اختيار ابن حزم، فذهب الإمام ابن حزم إلى عدم الجواز مطلقاً؛ حيث قال: إنّ من ظنّ أنّ الاجتهاد يجوز للأنبياء في شرع شريعة لم يوحَ إليهم فيها فهو كفرٌ عظيم، ويكفي في إبطال ذلك أمره تعالى لنبيه – عليه الصلاة والسلام – أن يقول: ﴿إن أتّبع إلاّ ما يوحى إليّ﴾ (الأنعام: 50)، فنفى الله تعالى أن يصدر عنه كلام غير الوحي فلا مكان للاجتهاد. وذهب كثير من المعتزلة أيضاً إلى أنه ليس له أن يجتهد لقوله تعالى: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ﴾ (النجم:3). ونسبه الشوكاني إلى الأشعرية نقلاً عن أبي منصور الماتريدي(19).

     واختاره أبو علي، وأبو هاشم أيضاً.

أدلتهم:

     إنهم استدلوا بأمور عديدة، منها:

     1 – أن الرسول صلى الله عليه وسلم قادر على معرفة الحكم بالوحي الذي يفيد له العلم قطعاً، وكل من كان قادرًا على العلم لايجوز له العمل بالظن، ومن ثم لايجوز له الاجتهاد.

     2 – أن الرسول صلى الله عليه وسلم لو كان مأمورًا بالاجتهاد لأجاب عن كل ما سئل عنه وما انتظر الوحي؛ لأن الاجتهاد هو الوسيلة لمعرفة الحكم فيما لانص فيه، كتوقفه في مسألة الظهار(20) ونحوها؛ حيث انتظر الوحي.

     3 – أن الاجتهاد من الظن، والظن عرضة للخطأ فيجب صيانة الرسول صلى الله عليه وسلم من الاجتهاد صيانة له عن الخطأ، لئلا يتشكك في أمر دعوته.

     4 – أن الإجماع قد انعقد على تكفير مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذلك الإجماع انعقد على جواز مخالفة المجتهد للمجتهد فلو جوزنا الاجتهاد له صلى الله عليه وسلم لجاز لغيره أن يخالفه لكنه لايجوز لأحد مخالفته بالإجماع.

     واستدلوا على هذا بآيتين أيضاً، وهما:

     1 – قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ* إِنْ هُوْ إِلاّ وَحْيٌ يُوْحَىٰ﴾.

     2 – قال الله تبارك وتعالى في موضع آخر: ﴿وَمَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَه مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إلاَّ مَا يُوْحَىٰ إِلَيَّ﴾، فنفى الله تعالى أن يصدر عنه كلام غير الوحي فلا مكان للاجتهاد.

أقوال من يقول بجوازه

     وقال كثير من العلماء: إنه يجوز لنبينا وغيره من الأنبياء عليهم السلام ذلك، وهو ظاهر مذهب الشافعي، كما قال الماوردي وسليم الرازي، وهو المختار عند الإمام أحمد، وأكثر المالكية، منهم القاضي عبد الوهاب والقاضيان أبويوسف وعبد الجبار وأبوالحسين.

     وقال الشنقيطي: «الذي يظهر أن التحقيق في هذه المسألة أنه صلى الله عليه وسلم  ربما فعل بعض المسائل من غير وحي في خصوص كإذنه للمتخلفين عن غزوة تبوك قبل أن يتبين صادقهم من كاذبهم(21)، وكأسره لأسارى بدر(22)، وكأمره بترك تأبير النخل(23)، وكقوله «لو استقبلت من أمري ما استدبرت» الحديث(24)، إلى غير ذلك»(25).

     وورد في القرآن الكريم والحديث الشريف ما يفيد صدورَ أفعال عن الأنبياء – صلوات الله عليهم أجمعين – وقد ذكر بعضها أنه معصية، وبعضها أنه ذنب، كما ذكر بعضها أنه خطيئة، فهذا الاتصاف بكون بعضها معصية، وبعضها خطيئة، وبعضها ذنباً، يدل على أنهم كانوا يجتهدون، وتصدر عنهم أفعال بناء على اجتهادهم، وإلا فلو كانت قد صدرت عنهم بعد وحي إليهم بها لما صح أن يوجه الله إليهم لوماً، ولا أن يلجأ أحدهم للاستغفار والتوبة، وإليكم بعض الأمثلة من اجتهادات الأنبياء السابقين:

بعض الأمثلة من اجتهادات الأنبياء:

     1 – عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يجتمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون: لو استشفعنا إلى ربنا فيأتون آدم، فيقولون: أنت أبوالناس، خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء، فاشفع لنا عند ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا، فيقول: لست هناكم ويذكر ذنبه فيستحيي، ائتوا نوحاً فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض فيأتونه، فيقول: لست هناكم ويذكر سؤاله ربه ما ليس له به علم فيستحيي، فيقول: ائتوا خليل الرحمن فيأتونه، فيقول: لست هناكم، ائتوا موسى عبدًا كلمه الله وأعطاه التوراة، فيأتونه، فيقول: لست هناكم ويذكر قتل النفس بغير نفس فيستحيي من ربه، فيقول: ائتوا عيسى عبد الله ورسوله وكلمة الله وروحه، فيقول: لست هناكم ائتوا محمدًا صلى الله عليه وسلم عبدًا غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فيأتوني فأنطلق حتى أستأذن على ربي فيؤذن لي، فإذا رأيتُ ربي وقعت ساجدًا فيدعني ما شاء الله، ثم يقال ارفع رأسك وسل تعطه وقل تسمع واشفع تشفع فأرفع رأسي فأحمده بتحميد يعلمنيه ثم أشفع فيحد لي حدًا، فأدخلهم الجنة، ثم أعود إليه فإذا رأيت ربي مثله ثم أشفع فيحد لي حدًا، فأدخلهم الجنة ثم أعود الرابعة فأقول ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن ووجب عليه الخلود، قال أبو عبد الله: إلا من حبسه القرآن يعني قول الله تعالى ﴿خَالِدِيْنَ فِيهَا﴾»(26).

     2 – قصة آدم وحواء المشهورة، أي إخراجهما من الجنة بسبب أكل الشجرة الممنوعة، فقال الله تبارك وتعالى: ﴿وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى﴾ (طه:121).

     3 – قال الله تعالى لنوح: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ (هود:46)، لأن النوح ظن أن ابنه من أهله، وأن المراد أهل القرابة، فلما علم به ندم.

     إن هذه الأمثلة وأمثالها تدل على أن الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين كانوا يجتهدون وتصدر عنهم أفعال بناءً على اجتهادهم.

أدلة المجيزين:

     استدلوا بكثير من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة وغيرهما، أما الآيات فهي عديدة، منها:

     1 – قوله تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ الله لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوْا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى الله إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْـمُتَوَكِّلِينَ﴾ (آل عمران:159)، هذه الآية تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مأمورا بالاجتهاد؛ لأن المشاورة إنما تكون فيما يحكم فيه بطريق الاجتهاد، لا فيما يحكم فيه بطريق الوحي.

     2 – وقوله تعالى في أسارى بدر: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (الأنفال: 67). وذلك يدل على أن ذلك كان بالاجتهاد، لا بالوحي.

     3 – وقوله تعالى: ﴿عَفَا اللهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ﴾ (التوبة:43).

     4 – وقوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ﴾ (النساء:105)، وما أراه يعم الحكم بالنص، والاستنباط من النصوص.

     وأما الأحاديث فهي ما يأتي:

     1 – روى الشعبي «أنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي القضية، وينْزل القرآن بعد ذلك بغير ما كان قضى به، فيترك ما قضى به على حاله، ويستقبل ما نزل به القرآن»، والحكم بغير القرآن لا يكون إلا بالاجتهاد(27).

     2 – عن ابن عمر قال: «كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون الصلوات وليس ينادي بها أحد، فتكلموا يوماً في ذلك، فقال بعضهم: اتخذوا ناقوساً مثل ناقوس النصارى. وقال بعضهم: اتخذوا قرناً مثل قرن اليهود. قال: فقال عمر بن الخطاب: أو لا تبعثون رجلاً ينادي بالصلاة؟ قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا بلال قم فناد بالصلاة»(28). هنا أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بمشورة عمر، ومن المعلوم أنه لم يكن بالوحي.

     3 – عن عائشة «أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على قوم في رؤوس النخل فقال: «ما يصنع هؤلاء؟» قالوا: يؤبرون النخل. قال: «لو تركوه لصلح»، فتركوه فشيص، فقال: «ما كان من أمر دنياكم فأنتم أعلم بأمر دنياكم، وما كان من أمر دينكم فإلي»(29).

     4 – عن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه قال: لما كان يوم بدر فذكر القصّة قال أبو زميل: قال ابن عبّاس: فلمّا أسروا الأسارى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا أبابكر وعليّ وعمر ما ترون في هؤلاء الأسارى؟»، فقال أبوبكر: يا نبي الله! هم بنو العمّ والعشيرة أرى أن تأخذ منهم فدية فتكون لنا قوّة على الكفّار، فعسى الله أن يهديهم للإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما ترى يا ابن الخطّاب؟»، قلت: لا والله يا رسول الله! مَا أرى الذي رأى أبوبكر، ولكنّي أرى أن تمكّنّا فنضرب أعناقهم، فتمكّن عليّاً من عقيل فيضرب عنقه، وتمكِّنني من فلان نسيب لعمر فأضرب عنقه، فإنّ هؤلاء أئمّة الكفر وصناديدها، فهو رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبوبكر ولم يهو ما قلت، فلمّا كان من الغد جئت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وابوبكر قاعدين يبكيان، قلت: يا رسول الله! أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك، فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت ببكائكما؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أبكي للّذي عرض عليَّ أصحابك من أخذهم الفداء لقد عرض عليَّ عذابهم أدنى من هذه الشّجرة، شجرة قريبة من نبي الله صلى الله عليه وسلم»، فأنزل الله عزّ وجلّ: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ﴾(30).

     5 – عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لقد هممت أن آمر فتيتي أن يجمعوا حزم الحطب ثم آمر بالصلاة فتقام ثم أحرق على أقوام لا يشهدون الصلاة»(31)، ولكنه صلى الله عليه وسلم لم يفعل ما هم على فعله إما باجتهاد آخر، أو بوحي من الله.

العقل:

     1 – أن العمل بالاجتهاد أشق من العمل بدلالة النص لظهوره، وزيادة المشقة سبب لزيادة الثواب، لقوله لعائشة: «ولكنها على قدر نصبك»(32) فلو لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم عاملاً بالاجتهاد مع عمل أمته به، للزم اختصاصهم بفضيلة لم توج له، وهو ممتنع، فإن آحاد أمة النبي صلى الله عليه وسلم لا يكون أفضل من النبي صلى الله عليه وسلم في شيء أصلاً.

     2 – أن القياس هو النظر في ملاحظة المعنى المستنبط من الحكم المنصوص عليه، وإلحاق نظير المنصوص به، بواسطة المعنى المستنبط، والنبي صلى الله عليه وسلم أولى بمعرفة ذلك من غيره لسلامة نظره، وبعده عن الخطأ، والإقرار عليه، وإذا عرف ذلك فقد ترجح في نره إثبات الحكم في الفرع ضرورة، فلو لم يقض به، لكان تاركاً لما ظنه حكما لله تعالى على بصيرة منه، وهو حرام بالإجماع(33).

     وقد اختلف المجوزون فيما بينهم في وقوع الاجتهاد من النبي صلى الله عليه وسلم ففي هذه المسألة ثلاثة أقوال:

     1 – قد وقع الاجتهاد من النبي صلى الله عليه وسلم أي أنه كان يجيب بدون انتظار الوحي، واختاره الجمهور.

     2 – قد وقع الاجتهاد من النبي صلى الله عليه وسلم لكن بعد انتظار الوحي، ذكره الإمام السرخسي(34)، واختاره الحنفية، فقال ابن الهمام: «المختار عند الحنفية أنه صلى الله عليه وسلم مأمور بانتظار الوحي أولاً ما كان راجيه إلى خوف فوت الحادثة، ثم بالاجتهاد»(35).

     3 – توقف فيه فريق، وهو قول الغزالي، حيث قال: أما الوقوع فقد قال به قوم وأنكره الآخرون، وتوقف فيه فريق ثالث وهو الأصح، فإنه لم يثبت به قاطع(36)، وزعم الصيرفي في شرح الرسالة أنه مذهب الشافعي؛ لأنه حكى الأقوال ولم يختر شيئاً منها.

الأجوبة لأدلة المانعين:

     1 – لا نسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قادر على معرفة الحكم بالوحي؛ لأن الوحي ليس في اختياره، لا ينْزل عليه متى شاء، بل ينْزل بمشيئة الله؛ فلذلك قد يضطر إلى الاجتهاد.

     2 – لا يستلزم من توقف الرسول صلى الله عليه وسلم عن الاجتهاد في بعض المسائل عدم تعبده به في جميعها.

     3 – أن اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم لا يماثل اجتهاد غيره من الناس فهو لا يقر على خطأ بل يصوب على الفور، فاجتهاده في آخر الأمر مستندًا إلى الوحي الإلهي، فلا تقس اجتهاده على اجتهاد الآخرين.

     4 – لا بد أن نفرق بين اجتهاده صلى الله عليه وسلم واجتهاد غيره؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يساوي سائر الناس في حكمه الاجتهادي؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لايقر على الخطأ على قول جمهور المسلمين، وغيره يصيب ويخطئ. ثم إن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم واجب بالأدلة الشرعية، فلا تجوز مخالفته مطلقاً، سواء كانت الأحكام ثابتة بالنص أو باجتهاده صلى الله عليه وسلم.

     5 – أن الضمير عائد إلى القرآن فلا يمكن حمل القول هنا على العموم؛ لأن بعض ما ينطق به الرسول ليس عن وحي بالتأكيد، وقد أجاب عن هذا الشيخ عبد الجليل عيسى(37) إجابة رائعة، فقال: «وإذا قطعنا النظر عن أن سياق الآيات يدل كما فهم كبار المحققين على أن الكلام في القرآن وأن المراد أن هذا القرآن الذي يتلوه عليكم محمد ليس من عنده، بل هو وحي يوحى إليه من الله، نقول: إذا قطعنا النظر عن كل ذلك فإنا نقول: ماذا تريدون بهذه الآية؟ أتريدون أنه صلى الله عليه وسلم لا يلفظ بقول مطلقاً في جزئية ما إلا بوحي، حتى قوله صلى الله عليه وسلم: كيف أنت يا فلان، أو إلى أين أنت ذاهب، أو مزاحه مع زوجته، أو خادمه، أو قوله: أنا عطشان أو جوعان، أو اسقني مثلاً. إن قلتم: إن كل هذا بوحي خاص، قلنا لكم: قد سقط الخطاب معكم. وإن أردتم أنه لا ينطق عن الهوى بمعنى أنه لا يقول عن شهوة، وغرض بل ما يقوله لمصلحة، قلنا: نحن معكم في هذا، ولكن لايفيدكم في منع الاجتهاد؛ لأن الاجتهاد لا يصدر منه إلا تحت اعتقاد أنه مصلحة، وإن ظهر خلاف ذلك فهو معذور. وإن أردتم أنه لاينطق عن الهوى بمعنى أنه أوحي إليه بأن له أن يجتهد، فاجتهاده بإذن، قلنا لكم: ونحن نقول بذلك، ولا مانع حينئذ من أن يجتهد ولا يصيب في جزئية؛ لأنه لا تلازم بين الإذن في الاجتهاد وبين الإصابة في كل جزئية. وإن قلتم: إن المراد بقوله تعالى: ﴿وما ينطق عن الهوى﴾ في الأمور الشرعية فقط، أي ما يكون فعله لها يعتبر تشريعاً مرغوباً فيه، قلنا لكم: وهل أخرجتم من أعماله الشرعية سوى خصوصياته كنكاح ما فوق الأربع، وسوى جبلياته كالجوع والعطش والصحة والمرض» انتهى.

     6 – المراد بما ليس له حق بتبديله وهو القرآن الكريم، وبالتالي فإن هذا لايمنع أن يكون له حق الاجتهاد.

حكمة اجتهاد الرسول صلى الله عليه وسلم:

     الحكمة في اجتهاده فيما لم ينْزل عليه فيه وحي هي كما ذكرها الحموي فقال: «تعليم الأمة وتدريبها على الاجتهاد، واستنباط الأحكام التي تناسب كل زمان ومكان، وعدم الجمود على ظواهر النصوص؛ لأن ذلك عائق عن الرقي، والتطور في أطوار تناسب الزمان والمكان»(38).

حكمة خطأ النبي صلى الله عليه وسلم فيه:

     قد بين العلماء كثيراً من الحكم في خطأ النبي صلى الله عليه وسلم في اجتهاده، مثلاً:

     - أن لا تسرع الأمة إلى التنديد بالمجتهدين، إذا ما أخطأوا، إذ من البديهي أن الاجتهاد عرضة للخطأ؛ لأن التنديد بالمجتهدين من العلماء إن أخطأوا، ربما يجعلهم ينقطعون عن الاجتهاد بتاتاً، وانقطاع الاجتهاد ليس من مصلحة الأمة الإسلامية(39). وإلى غير ذلك من الحكم.

الترجيح

     وقد رجح العلماء قول من يقول بجواز الاجتهاد من النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لايخفى على أحد أن أدلة المجيزين أقوى من أدلة المانعين؛ ولأن كثيرًا من الروايات والآيات تدل على أن الاجتهاد وقع من النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكرت من قبل، وأما الآيات التي استدلوا بها على عدم جواز الاجتهاد من الأنبياء فهي محمولة على القرآن كما ذكر من قبل.

خلاصة البحث:

     وجدنا أن أقوال العلماء وآراءهم يتعارض بعضها مع بعض، فنجد بعضهم ينكرون الاجتهاد للنبي صلى الله عليه وسلم ويقولون: لا ينبغي للأنبياء أن يصدر عنهم قول أو فعل بناءً على الاجتهاد؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول: ﴿وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى﴾، فمنطوق مثل هذه الآية يدل على مذهبهم. وقال الجمهور: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد ووقع منه كثير من الأقوال والأفعال على اجتهادهم، فقد وصلنا أثناء مناقشة هذه الآراء إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم له رأي يراه، وكان يجتهد في أمور، بعضها كانت تتعلق بالأمور الدينية، وبعضها بالأمور الدنيوية، وأنه بشر يخطئ ويصيب؛ لكن كان يصوب على الفور بالوحي ولا يقر على الخطأ، ومن زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يجتهد وما صدر عنه فعل أو قول بناء على الاجتهاد رأيه ليس بسديد كما أثبتنا آنفاً. وهكذا عرفنا حكمة اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم وهي تدريب الأمة على الاجتهاد واستنباط الأحكام التي تناسب كل زمان ومكان، وأما الحكمة في صدور الخطأ عن النبي صلى الله عليه وسلم في بعض اجتهاداته فمنها مثلاً: أن لا تسرع الأمة إلى التنديد بالمجتهدين، إذا ما أخطأوا، وهذا التنديد شيء خطير جدًا ربما يتسبب لانقطاع الاجتهاد مع أن الاجتهاد هو من أهم نعم الله تبارك وتعالى، وانقطاعه ليس من مصلحة الأمة الإسلامية.

*  *  *

الهوامش :

(1)   ابن منظور، محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري، لسان العرب، (بيروت: دار صادر)، ج3، ص133.

(2)   الشوكاني، محمد بن علي بن محمد، إرشاد الفحول، تحقيق محمد سعيد البدري أبو مصعب، (بيروت: دارالفكر، ط1، 1412هـ/ 1992م)،  ج2، ص163.

(3)      المصدر السابق، ج2، ص163.

(4)   نقله محمد فريد وجدي في دائرة معارف القرن العشرين، ج3، ص236 مادة «جهد» عن رسالة الإنصاف في بيان سبب الاختلاف للشيخ ولي الله الدهلوي.

(5)   العثماني، سعد الدين، تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم بالإمامة، من منشورات الزمن رقم 37، (الدار البيضاء: مطبعة النجاح الجديدة، 2002م).

(6)   هذه تصرفات نابعة من كون وظيفة الرسول صلى الله عليه وسلم الأولى والأساس، والتي من أجلها بعث، وهي التبليغ. ولذلك ألفينا القرآن يركز على هذا الأمر في كثير من الآيات الكريمة، مثلاً: ﴿وَقُل لِّلَّذينَ أُوْتُوْا الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَ أَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوْا فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّ إِن تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَالله بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾ (آل عمران:20).

(7)      أن الرسول صلى الله عليه وسلم في التصرفات بالفتيا يخبر عن مقتضى الدليل الراجح عنده، فهو كالمترجم عن الله تعالى فيما وجده من الأدلة.

(8)      وهو ما يحكم به صلى الله عليه وسلم بوصفه القاضي حين الفصل بين المتخاصمين وفق ما ظهر له من القرائن والبينات والحجج.

(9)      وهي تصرفات منه صلى الله عليه وسلم بوصفه إماماً للمسلمين ورئيساً للدولة.

(10) وهي التصرفات التشريعية الخاصة بأشخاص معينين والتي يخالف حكمها حكم عامها.

(11) وهي تصرفات بحكم بشرية الرسول صلى الله عليه وسلم.

(12) وهي ما فعلها الرسول صلى الله عليه وسلم  جرياً على عادة قومه ومألوفهم في الأكل والشرب وهيئات اللباس وعوائدهم الجارية في المناسبات كالزواج والولادة والوفاة ونحوها.

(13) وهي تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم في أمور تخضع للخبرة التخصيصية وللتجربة البشرية، مثل الزراعة والطب وغيرهما.

(14) وهي تصرفات ترشد إلى الأفضل من منافع الدنيا.

(15) وهي تصرفات تخص بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا يقتدى به فيها، كتزوجه بأكثر من أربع نسوة، ووصاله في الصوم.

(16) محمد بن الحسن بن فورك، نسبته إلى فورك، فقيه ومتكلم أصولي، أديب نحوي واعظ. أقام بالعراق ودرس بها مذهب الأشعري على أبي الحسن الباهلي، توفي سنة 406هـ. انظر الذهبي، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد، سير أعلام النبلاء، تحقيق مجموعة بإشراف شعيب الأرنؤوط، (بيروت: مؤسسة الرسالة، د. ط، د. ت.) ج33، ص204.

(17) الشوكاني، إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، ج2، ص217.

(18) الزركشي، بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي، البحر المحيط في أصول الفقه، (بيروت: دارالفكر)، ج4، ص502.

(19) الشوكاني، إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، ج2، ص255.

(20) عن عروة بن الزبير قال: قالت عائشة: «تبارك الذي وسع سمعه كل شيء، إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة، ويخفى عليَّ بعضه، وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تقول: يا رسول الله! أكل شبابي، ونثرت له بطني، حتى إذا كبرت سني، وانقطع ولدي، ظاهر مني، اللهم إني أشكو إليك، فما برحت حتى نزل جبريل بهؤلاء الآيات: [قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وتَشْتَكِي إِلَى الله]» أخرجه ابن ماجه، محمد بن يزيد أبو عبد الله الفزويني في سننه، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، (بيروت: دارالفكر)، ج1، ص666، رقم 2063. وصحّحه الألباني.

(21) فأنزل الله تعالى هذه الآية عتاباً على إذنه لجماعة من المنافقين في التخلف عن غزوة التبوك، [عفا الله عنك لم أذنت لهم]، التوبة، 9/43.

(22) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لما كان يوم بدر فذكر القصّة قال أبو زميل: قال ابن عبّاس: فلمّا أسروا الأسارى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبابكر وعلي وعمر ما ترون في هؤلاء الأسارى؟، فقال أبوبكر: يا نبي الله هم بنو العمّ والعشيرة أرى أن تأخذ منهم فدية فتكون لنا قوة على الكفّار فعسى الله أن يهديهم للإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما ترى يا ابن الخطّاب، قلت: لا والله يا رسول الله مَا أرى الّذي رأى أبوبكر ولكني أرى أن تمكّنا فنضرب أعناقهم فتمكّن عليّاً من عقيل فيضرب عنقه وتمكّننى من فلان نسيب لعمر فأضرب عنقه فإنّ هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبوبكر ولم يهو ما قلت، فلمّا كان من الغد جئت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبوبكر قاعدين يبكيان قلت: يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت ببكائكما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبكي للّذي عرض عليّ أصحابك من أخذهم الفداء لقد عرض عليّ عذابهم أدنى من هذه الشّجرة، شجرة قريبة من نبيّ الله صلى الله عليه وسلم» فأنزل الله عزّ وجلّ [مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ]، أخرجه البيهقي، أبوبكر أحمد بن الحسين بن علي في السنن، تحقيق محمد عبد القادر عطا، (دارالكتب العلمية، بيروت – لبنان،) ج6، ص521، رقم 12843.

(23) عن عائشة «أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على قوم في رؤوس النخل فقال: ما يصنع هؤلاء؟ قالوا: يؤبرون النخل قال: لو تركوه لصلح فتركوه فشيص فقال: ما كان من أمر دنياكم فأنتم أعلم بأمر دنياكم وما كان من أمر دينكم فإلي»، أخرجه الطحاوي، أبوجعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن عبد الملك بن سلمة في مشكل الآثار، تحقيق شعيب الأرناؤوط (بيروت: مؤسسة الرسالة، د ط)، ج3، ص284.

(24) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: أهل النبي صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه بالحج، وليس مع أحد منهم هدي غير النبي صلى الله عليه وسلم وطلحة، وقدم علي من اليمن ومعه هدي فقال: أهلك بما أهل به النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يجعلوها عمرة ويطوفوا ثم يقصروا ويحلوا إلا من كان معه الهدي، فقالوا: ننطلق إلى منى وذكر أحدنا يقطر. فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت ولولا أن معي الهدي لأحللت». رواه البخاري في صحيحه، رقم 1651.

(25) الشنقيطي، محمد الأمين بن محمد المختار الجكني الشنقيطي، دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب، (بيروت: دارالفكر) ص76.

(26) أخرجه البخاري في الجامع المسند الصحيح، ج6، ص17، رقم 4476.

(27) الآمدي، أبوالحسن سيف الدين علي بن أبي علي بن محمد بن سالم التغلبي الحنبلي ثم الشافعي، الإحكام في أصول الأحكام، تحقيق د. سيد الجميلي (بيروت: دارالكتاب العربي، ط1، 1404هـ)، ج4، ص173.

(28) أخرجه الترمذي في الجامع الصحيح، ج1، ص82، رقم 190.

(29) أخرجه مسلم في صحيحه، ج4، ص1836، رقم 2363؛ والطحاوي في مشكل الآثار، - واللفظ له-، ج3، ص284.

(30) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ج6، ص521، رقم 12843.

(31) أخرجه الترمذي في الجامع الصحيح، ج1، ص93، رقم 217.

(32) أخرجه البخاري في صحيحه، ج2، ص634، رقم 1695؛ ومسلم في صحيحه، - واللفظ له -، ج2، ص870، رقم 1211.

(33) الآمدي، الإحكام في أصول الأحكام، ج4، ص173.

(34) السرخسي، محمد بن أ؛مد بن أبي سهل أبوبكر، أصول السرخسي، تحقيق أبو الوفا الأفغاني، (بيروت: دارالكتاب العلمية، ط1، 1414هـ/1993م)، ج2، ص96.

(35) ابن الهمام، محمد بن عبد الواحد بن عبد الحميد ابن مسعود، السيواسي، التحرير، (مصر: المكتبة الحسينية المصرية)، ص525.

(36) الغزالي، أبوحامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي، المستصفى من علم الأصول، تحقيق محمد عبد السلام عبد لاشافي، (بيروت: دارالكتب العلمية، ط1، 1413هـ)، ج2، ص399.

(37) عبد الجليل عيسى، اجتهاد الرسول صلى الله عليه وسلم، ص29.

(38) محمد الحجوي، الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي، (المدينة المنورة: المكتبة العلمية) ج1، ص78.

(39) المصدر السابق، ج1، ص78.

*  *  *



(* )      قسم الفقه وأصوله، كلية معارف الوحي والعلوم الإنسانية، بالجامعة الإسلامية العالمية، ماليزيا.

 

 

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم  ديوبند ، رجب 1433 هـ = يونيو 2012م ، العدد : 7 ، السنة : 36